فصل: خبر علي باشا المترجم المذكور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر رمضان المعظم سنة 1218:

استهل بيوم الجمعة في ثانيه، قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر أعلى وأوسط وأدنى ستين ألفاً وعشرين ألفاً وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصاً بالأرياف.
وفيه نزلت الكشاف الى الأقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا والياً على الصعيد وصالح بك الألفي الى الشرقية.
وفي ثامنه، وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان.
وفيه حضر ساع من إسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بأن الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الإثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من أمراء مصر يأمرونه بأن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه م ذلك وأحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه وأطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون إني حاكمكم وواليكم، ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره، غيمت السماء غيماً مطبقاً وأمطرت مطراً متتابعاً من آخر ليلة الأربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه حتى صار لونه أصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقي على ذلك التغير أياماً إلا أنه حصل بها النفع في الأراضي والمزارع.
وفي منتصفه، ورد الخبر بخروج الباشا من الإسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من أربابها قهراً وينقشونها بأنواع الأصباغ والزينة والألوان ويركبون عليها مقعداً مصنوعاً من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونة وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الأصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك أغات الرسالة فلما خرج الباشا من الإسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلي الى يحيى بك يقولان له إن حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة وأما العساكر فلا يدخل أحد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها، فلما وصلوا الى يحيى بك وأرادوا يقولون له ذلك وجدوه جالساً مع عمر بك كبير الأرنؤد الذي عنده وهم يقرؤون جواباً أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض أتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم أي شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى حصر صحبة رضوان كتخدا.
وفي يوم الجمعة سادس عشره، ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتولية خلافه.
وفي عشرينه، أشيع سفر الألفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة من جهة انبابة وأخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانة وغير ذلك.
وفي رابع عشرينه، عدى الألفي ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان.
وفيه، حضر واحد بيان آغا يسمى صالح أفندي وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد.
وفي غايته، وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فرداً على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الأرض، وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الأرنؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصاً بالليل حتى كان الإنسان إذا مشى يربط عمامته خوفاً عليها وإذا تمكنوا من أحد شلحوا ثيابه وأخذوا ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الأسواق مثل سوق انبابة في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والأغنام والأبقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك إلا في الناد خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني وأما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة إن وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الأحطاب وباقي الأمور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الأرنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الأثمان وعلم الأرنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها إباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الأقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشيء لا تدركه الأفهام ولا تحيط به الأقلام وخصوصاً سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة.

.شهر شوال 1218:

استهل شهر شوال بيوم السبت وفي ثانيه سبع رجلاً تاجراً من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدي فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا ما في جيبه من الدراهم وغيرها وذهبوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضاً رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك.
وفيه، وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم وأكثرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين مركباً في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضاً.
وفيه، ركب الألفي والأمراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فإنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضاً محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وأبقوا عند بيوتهم طوائف منهم.
وفيه، وقعت مشاجرة بين الأرنؤدية جهة بيوت سواري العسكر بسبب امرأة قتل فيها نحو خمسة أنفار بالأزبكية.
وفي ثالثه أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العسكر بأسلحتهم فانزعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين وأكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالأبواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم.
وفي رابعه، غيروا العسكر بأجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذي على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فإن بزي الفلاح بأن كان لابس جبة صوف أو زعبوط أخذ منه ما في جيبه أو عشرة أنصاف إن كان فقيراً وإن كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعوها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الأموات.
وفيه، نودي بوقود القناديل ليلاً على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك.
وفيه، انتقل الألفي ومن معه من الأمراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضي الباشا فحضر إليه بعض أتباع الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطنتا فلم يسع الباشا وأتباعه إلا قلعهم الخيام والتأخر فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم أن خدم الألفي أخذوا جمالاً ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميراخور الباشا بالجمال لأخذ البرسيم أيضاً فوجدوا جمال الألفي وأتباعه فنهروهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب إليهم فركب رامحاً الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب أتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور وأخذ الجمال فحنق وأحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا أطاوعك وأصدق تمويهاتك الى أن سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر إليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الأمور وحضرة أفندي شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وأرسل الى أتباع الألفي فأحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر إليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه وأخذا بخاطره ولم يخرج إليه أحد من الأمراء سواهما.
وفي خامسه، نادوا بخروج العساكر الأرنؤدية الى العرضي، وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر، وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصاً عسكرياً من غير ورقة قبض عليه وغيبه، واستمر يفتش عليهم ويتجسس على أماكنهم ليلاً ونهاراً ويقبض على من يجده متخلفاً، والقصد من ذلك تمييز الأرنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم، وكذلك من مر على المتقيدين بأبواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والأرنؤدية لأجل تميزه من بعضهم وخروج غيرهم.
وفيه، أطلعوا السيد على القبطان أخا علي باشا الى القلعة،وفي سادسه، خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك ولم ينتقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الألفي وباقي الأمراء كذلك الى الجبل والأرنؤدية جهة البحر، وقد كان الباشا أرسل الى محمد علي وكبار الأرنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الإسكندرية يستميلهم إليه وبعدهم ويمنيهم إن قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم إن استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغلبين، فنقل الأرنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سراً فيما بينهم، واتفقوا على رد جواب المراسلة من الأرنؤدية بالموافقة على القيام معه إذا حضر الى مصر، وخرج الأمراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره من أمامهم والأرنؤدية المصرية من خلفهم، فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان. وسهلوا له أمر الأمراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون ألفا ولول بلغوا ذلك، فمن المنضمين إليهم من خلاف قبيلتهم وهم أيضاً معنا في الباطن، ودبروا له تدبيراً ومناصحات تروج على الأباليس، منها أن يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر، وأن يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا، ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له، ولما وصل الى الرحمانية أرسل لهالأرنؤد مكاتبة سراً بأن يعدي الى البر الشرقي وبينوا له صواب ذلك. وهو يعتقد نصحهم، فعدى الى البر الشرقي، فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور، وعملوا متاريس ونصبوا المدافع وأوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي، فخرج الألفي، كما ذكر بمن معه من الأمراء المصرلية والعساكر الأرنؤدية وأرسل الى الباشا بالانتقال والتأخر، فلم يجد بداً من ذلك فتأخر الى زفيتة، ونزل ونصب هناك وطاقه ومتاريسه، وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الإفرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعلوا على مراكب الباشا واحتاطوا بها، وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر، وأخذوهم أسرى وذهبوا بهم الى الجيزة، بعدما قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيراً أيضاً، وكان بالمراكب أناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع وأسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية، فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعاً في عدم دفعهم الجمرك، فوقعوا أيضاً في الشرك وارتكبوا فيمن ارتبك، ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر بأراضي زفيتة، أحاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد، فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه، وأرسل إليه الألفي علي كاشف الكبير، فقال له حضرة ولدكم الألفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم، وما الموجب لكثرتها، وهذه هيئة النابذين لا مسالمين، والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا بأتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم، وقد ذكروا لكم ذلك وأنتم بسكندرية، فقال: نعم وإنما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي، وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم، فقال: إهم أعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كا لا يخفاكم ذلك، وأما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم، ولسنا نقول ذلك خوفاً منهم وإنما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقيم حالهم مع الأرنؤدية، ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم.
وفي ليلة الجمعة رابع عشره، حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف أربع أصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة إلا شيئاً يسيراً.
وفي ذلك اليوم، أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من أتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة، فلاطفه ورده بلطف، فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على الرجوع من غير قضاء حاجة، وأمره بالعود ثانياً، فعاد إليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة أخرى من العسكر، فأزعجوا أهل البيت، وأرسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين، تأمرهم أن لا يعملوا قلة أدب، وأرسلت الى أبيها لأن منزلها بجواره، فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعينين.
وفي ليلة الخميس عشرينه، وصلت أخبار ومكاتبات من الأمراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا يخبرون فيها بموت الباشا بالقرين، فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل، ومضمون ما ذكروه في المراسلة أن الباشا أراد أن يكسبهم بمن معه ليلاً وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر إليهم وأخبرهم فتحذروا منهم، فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ، وانجرح المنفوخ أيضاً جرحاً بليغاً، وأصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب، فقضى عليه وكان ذلك مقدوراً، وفي الكتاب مسطوراً، وأنكم ترسلوا لنا أماناً بالحضور الى مصر ولا ذهبنا الى الصعيد، هذا ما قالوه والواقع أنهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفساً لا غير، والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية أو ذهبت حيث شاء الله، وكان أمامه عسكر المغاربة وخلفه الأمراء المصرلية، فلما وصلوا الى أراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى أن تضاربوا بالسلاح فقامت الأجناد المصرلية من خلفهم، فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من أتباعه أربعة عشر نفساً الى الوادي وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاة الروح، وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن أخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر.
فلما سقط الباشا وبه رمق، رأى أحد الأميرين فقال له: في عرضك يا فلان إن معي كفناً داخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرمياً، فلما انقضى ذلك أعطى ذلك الأمير لبعض العرب دنانير وأعطاه الكفن الذي أوصاه عليه وقال له: اذهب الى مقتلهم وخذ الباشا فكفنه وادفنه في تربة، ففعل كما أمره وحفروا لباقيهم حفراً ووارهم فيها، وانقضى أمرهم، هذا أخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة، وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا أنه قال لعسكره: إن بلغت مرادي من الأمراء المصريين وظفرت بهم وبالأرنؤد أبحت لكم المدينة والرعي ثلاثة أيام تفعلون بها ما شئتم، والدليل على ذلك ما فعله بالإسكندرية مدة إقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في أموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لأهل العلم وإهانته لهم، حتى أنه كان يسمى الشيخ محمد المسيري الذي هو أجل مذكور في الثغر بالمزور، وإذا دخل عليه مع أمثاله وكان جالساً اتكأ ومد رجليه قصداً لإهانتهم.

.خبر علي باشا المترجم المذكور:

كان أصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر، فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره أرسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا، وكان أخوه المعروف بالسيد علي مملوكاً للدولة ومذكوراً عند قبطان باشا ومتولي الريالة، فنوه بذكره، فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس وأعطاه فرمانات ويرق، فذهب إليها وجيش له جيوشاً ومراكب، وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها، لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة، وهرب أخو حمودة باشا عند أخيه بتونس، فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس أباحها لعسكره ففعلوا بها أشنع وأقبح من التمرلكنية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبه حريم متوليها وأخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره، ثم طالبهم بالأموال، وأخذ أموال التجار وفرد على أهل البلد وأخذ أموالهم، ثم أن المنفصل حشد وجمع جموعاً ورجع الى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة، وقام معه المغرضون له من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا، فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان شبه الرهائن وهرب الى إسكندرية، وحضر الى مصر، والتجأ الى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلاً حسناً عنده بالجيزة وصار خصيصاً به، وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه أنه صار ممقوتاً في الدولة، لأن من قواعد الدولة العثمانيين أنهم، إذا أمروا أميراً في الولاية ولم يفلح، مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصاً إذا كان ذا مال، ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم، وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما، ولما كان بالحجاز، ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان، ذهبوا الى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة، فأرسل معهم جماعة من أتباعه في حصة مهملة، وكبسوا عليه على حين غفلة، فوجدوه راقداً ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحاً بالغاً وأهانوه وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج، ثم رجع الى مصر من البحر أيضاً، وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى أن حضر الفرنسيس الى الديار المصرية، فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره، ثم انفصل معهم وذهب الى خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة، فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا وأخرجوه، ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر، وليس بها إلا طاهر باشا والأرنؤد، وجعل على نفسه قدراً عظيماً من المال ووصل الى الإسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الأرنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة، فأراد أن يدبر أمراً ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة، فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه الجادع بيده مارن أنفه، ولم يعلم أنها القاهرة كما قهرت جبابرة وكادت فراعنة.
إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده

وكان صفته أبيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام بالعربي يحب اللهو والخلاعة.
ولما انقضى أمره، وأرسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أماناً من ابراهيم بك البرديسي، فكتبوا لهم أماناً بعد امتناع منهما وإظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله.
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديواناً وأحضروا صالح آغا قابجي باشا الذي حضر أولاً. ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك، وقرأوا الفرمان الذي معه وهو يتضمن ولاية علي باشا والأوامر المعتادة لا غير، وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره.
وتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس، وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم، وما يترتب عليه من الدمار والخراب، وشكا الأمراء المتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد، وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم، فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد.
وأما مصطفى باشا فإنهم أنزلوه في مركب مع أتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله.
وفيه وصل الألفي من سرحته الى مصر القديمة، فأقام في قصره الذي عمره هناك وهو قصر البارودي يومين، ثم عدى الى الجيزة ودخل أتباعه بالمنهوبات من الجمال والأبقار والأغنام. ومعهم الجمال محملة بالقمح الأخضر والفول والشعير لعدم البرسيم، فإنهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال ولو شاء ربك ما فعلوه.
وفي ثاني عشرينه، وقعت معركة بين الأرنؤدية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم، وضربوا على بعضهم بنادق رصاص، وقتل بينهم أنفار، واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة أيام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات.
وفي خامس عشرينه، عملوا ديواناً وقرأوا فرماناً وصل من الدولة مع الططر خطاباً لعلي باشا والأمراء، بتشهيل أربعة آلاف عسكري وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين، وإرسال ثلاثين ألف أردب غلال الى الحرمين، وأنهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر. وكذلك أحمد باشا الجزار أرسلوا له فرماناً بالاستعداد والتوجه لذلك، فإن ذلك من أعظم ما تتوجه إليه الهمم الإسلامية وأمثال ذلك من الكلام والترفق، وفيه بعض القول بالحسب والمروءة بتنجيز المطلوب من الغلال، وإن لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميري بالسعر الواقع.
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح أفندي ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب.
وفيه حضر الأمراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية، وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذي كان بالمنوفية، وترك خيامه وأثقاله وأعوانه على ما هم عليه، وحضر في قلة من أتباعه.
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة أخرى، وأخرجوا سكاناً كثيرة من دورهم جهة الناصرية، وأزعجوهم من مواطنهم وأسكنوا بها عساكر وطبجية.
وفيه أنزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك أيوب، كما كان وهذا السيد علي. هو أخو علي باشا المقتول، كما ذكر، وأصله مملوك وليس شريف، كما يتبادر الى الفهم من لفظ سيد، أنها وصف خاص للشريف، بل هي منقولة من لغة المغاربة، فإنهم يعبرون عن الأمير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة.
وفي سادس عشرينه، أنزلوا محمل الحاج من القلعة مطوياً من غير هيئة، وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبة أحد الكشاف وطائفة من المماليك، واتفق الرأي على سفره من طريق بحر القلزم صحبة محمود جاويش مستحفظان، ومعه الكسوة والصرة، وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم، فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد. باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الأثمان لعدم العلف، بعدما كلفوها بطول السنة، وما قاسوه أيضاً في الأيام التي أقاموها بمصر في الانتظار والتوهم.